5/23/2009

عاليه



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يستطع محمود أن يتمالك نفسه من البكاء وإنخرط في بكاء هستيرى ولم يستطع أن يتوقف وتعجب بعض المارة ما لهذا الشاب وكل هذا النحيب كما لو أنه قد فارق حبيب منذ لحظات .ولقد كان محمود في موقف لا يحسد عليه . فما زالت صورة عالية في مخيلته تلك الفتاه التى قابلها منذ بضعة أشهر في أحد المكاتب ولقد لفت نظره فيها أدبها وأخلاقها العاليه قبل أن يشد إنتباهه حسنها بالإضافة لشخصيتها والتى تتميز بالطيبه والمحبة وسط من يتعاملون معها .وقد حاول الإقتراب منها بلباقه والتعامل بأسلوب فيه من اللياقه ما يسمح له من الإقتراب منها . وبالفعل تم له ما أراد ونال غايته وتعرف على تلك الفتاه والتى يسعى الجميع للتعرف عليها والإقتراب من عقليتها .ومضت بهما الأيام وهو يحاول أن تكتمل الرؤيه خاصة أنه قد أحس أن عاليه تكن له نفس المودة التى يكنها لها . ولكن في كل مرة يعتقد أن الأمور ستتضح يجد أن الأمور تزداد إبهاماً . وفي يوم عقد العزم على معرفة ما بى عاليه .أو ما به . لربما هى تراه أنه غير كفء لها .رغم ما يظهرانه من مودة وتفاهم تجاه بعضهما البعض .
وأحست عاليه بما يدور في خلد محمود وفي إحدى لقائاتهما نظرت إليه باسمة ووجهت إليه سؤال مفاجىء ذهل له محمود ولم يستطع أن ينطق بكلمة إعتقاداً منه أنها تمزح .ولقد كان السؤال متى سنفرح بك يا محمود وتخطب ؟ هذا السؤال الذى ألجم لسان محمود عن النطق وجعله غير قادر على التفوه بأى كلمة . ولكنه أدرك الموقف سريعاً ورد السؤال بنفس السؤال . فما كان من عاليه إلا أن أجابت أنها لن تتزوج .إتسعت عينا محمود في دهشه ونظر إليها باحثاً عن النصف الآخر من السؤال في عينيها ولكنها تابعت بنوع من الثقه الملىء بالحزن الدفين .سأقول لك محمود عن شيء لم أذكره لك من قبل ألا وهو أنى مريضه بمرض يصعب علاجه إلا في الخارج بمصاريف باهظه وقد ينجح الأمر أو لا ينجح بعد كل تلك الأمور . نظر إليها محمود فإذا به يرى دمعه حاولت هى أن تمسحها كى لا يراها محمود وإستئذنته ومشيت تاركه وراها ألم لم يشعر به محمود قط في أى لحظه من حياته .
عندما غادرت عاليه المكان وجد محمود نفسه وحيداً لم يحس بنفسه إلا وهو يبكى كالطفل الصغير الذى فقد أمه .ولم يعر إنتباهاً لمن حوله من المارة والذين تابعوة بإستغراب دون أن يحاول أى أحد منهم أن يتدخل .
رجع محمود إلى بيته وتوجه مباشرة لحجرته بعد أن توضأ ودعا ربه باكياً أن يشف حبيبته والتى يعدها ملاكاً طاهراً .
وجلس وأخذ يفكر متمهلاً وعاد بذاكرته للوراء وأدرك لماذا كانت تتهرب منه عاليه ولماذا لم تعط لمشاعرها مساحه أكبر .
حمد الله كثيراً على ما حدث وجلس ليفكر وبعد دقائق معدوده كان قد أخذ القرار بأنه لن يترك عاليه أبداً مهما حدث .فإن أرادت لتزوجها وإن لم ترد فسيكون معها دائماً بغض النظر تزوجها أم لا فهو لن يتركها وسيظل معها إلى النهايه .وإرتاح لهذا التفكير كثيراً .إستيقظ نشيطاً كعادته وتوجه في الصباح الباكر لمكتبه وفي منتصف النهار إستئذن وتوجه مباشرة لمكتب عاليه والتى أول ما رآته إندهشت لرؤيته ولم تنطق بكلمة وقد توقعت أنه لن يأتى .ولكنه خذلها وأتى .وحينا رأته إبتسمت وغمرتها سعاده كما لو أنها تراه لأول مرة .
تبادلا الحديث كعادتهما ولكن في عيون عاليه كان هناك بعض الحيرة فلقد توقعت أنها لن ترى محمود مرة أخرى . ولكن حدث العكس . ولكن بلباقة محمود مر الموقف وكأن شيئاً لم يحدث .
وتكررت اللقائات وتعددت وتجنب محمود أن يتحدث في موضوع الإرتباط مرة أخرى ولكنه من حين إلى آخر يحاول أن يميل تفكيرها إلى فكرة الزواج وأن كل شيء بيد الرحمن .
ولكنها كانت ترفض وظلت عاليه متحفظه في كلامها معه كزميل محترم تكن له أسمى معانى الإحترام والموده .وفي نفس الوقت كان محمود يقابل بعض التلميحات من بعض الزميلات لعله يتجاوب مع إحداهن ويتقدم .خاصة تلك الزميله والتى دوماً تمتدح أخلاقه وتعامله معامله خاصه إلى أن همس لها البعض أنه لا فائده فإنقلبت على محمود شر إنقلاب .
كل هذا ومحمود لا يهتم ولا يكترث .
وتمر الأيام والشهور وتفوجىء عاليه بمحمود وهو يدخل عليها مهرولاً حاملاً لها نبأ لم ولن تتوقع أن تسمعه طيلة حياتها .
ألا وهو أنها ستعالج على نفقة الدوله وسيتم سفرها للخارج في خلال شهر واحد من الآن .
وكادت أن يغمى عليها فكيف حدث هذا ومتى وأين ؟ وهنا علق محمود بإبتسامة رائعه أنها قد نسيت حينما طلب منها كل ما يخصها من تحاليل وإشاعات لعرضها على طبيب زميل له وقد نسيت أن تسترجع تلك الإشاعات والتحاليل منه وذلك لتوفرها لديها .
لذا فقد أخذهم وعرضهم على أحد الأطباء في إحدى المستشفيات الحكوميه والذى تابع الحاله بإهتمام وتحدث معه عن إحتمالية نجاح العمليه وشفاء المريضه إذا ما سافرت .وبالفعل قام بإتخاذ اللازم وتمت الموافقه .
لم تصدق عاليه نفسها وجدت نفسها تبكى ساجده للرحمن على ما حدث . نظرت لمحمود وقد وجدت عيونه قد إغرورقت بالدموع فلم تتمالك هى الأخرى نفسها فبكيت .وإذا بكل من حولهم في المكتب يبكى لهذا الموقف الؤثر .
لملم محمود شتات نفسه وهدىء من روع عاليه وطلب منها أن تقوم بطلب إجازة وبالفعل في دقائق كانت قد حصلت على إجازة .
وفي أثناء إستعدادها لحزم حقائبها إذا بالباب يرن جرسه وإذا بمحمود أمام الباب طالباً الدخول .
وقد جلس بعد أن قبل يدى والدتها قائلاً لها سأكون مرافق لعاليه في سفرها ولكنى أستسمحك لو على الأقل أقريء الفاتحه لحين عودتها .
قبلت والدة عاليه رأسه وسافراعلى صوت الزغاريد في بيت عاليه وفي المطار وهم في إتجاههم للمستشفى التى ستقيم بها لحين ميعاد العمليه
نظرت عاليه وراءها مودعه لأمها وأرسلت لها قبله في الهواء تمنت من الله ألا تكون القبله الأخيره ووقفت أمها تلوح لها بكلتا يديها وقد إغرورقت عيونها بالدموع وحاولت أن تتماسك وتظهر فرحتها لعاليه بعد أن خطبت وهاهى على وشك أن تسافر لتعفى وتتماثل للشفاء باب الطائره وأخذ كل راكب مكانه وجلس كل من محمود وعاليه في مكانهما وأغلقت عاليه عيونها ومازالت صورة أمها في مخيلتها وهى تلوح لها وقد إبتل وجهها بالدموع وشردت بذهنها لتتذكر أبوها ذلك الأب المكافح والذى تركها وحيده مع أمها وهى طفله لم تتعد عشر سنوات مما جعل أمها تتجه للعمل بعد ما تخلى عنها الأهل والأصحاب فقد كانت أمها وحيده مثل إبنتها ولكنها لم تقف مكتوفة الأيدى خرجت للعمل وكافحت من أجل إبنتها كى تسعد بحياة كريمة وتذكرت عاليه فرحتها التى تمت منذ قليل والتى تمت بدون وجود قريب واحد وكان الحاضرين من أقربائها هى أمها صعب عليها حالها أحست بقسوة الحياه لولا وجود محمود في حياتها ذلك الشاب المهذب والذى رغم معرفته بمرضها لم يتخل عنها ولم يمنعه هذا من أن يطلب يدها العديد من المرات ورغم هذا كانت ترفض . كى لا تظلمه معه .وعلى الرغم من كل ذلك سعى كى تسافر للخارج لتكمل علاجها .ورغم أنه طلب يدها في اللحظه الأخيره ورغم موافقتها ألا أنها أرادت أن ترفض لأنه غير مؤكد نجاح العمليه فلما تظلمه معها .نظر محمود لعاليه وووضع يده برفق على يدها ليخرجها من هذا الشرود .فإذا بعاليه تنتفض بشده كما لو أن لدغها ثعبان .مما جعل إحدى المضيفات تلحظ وتسرع ناحيتها تسألها ما بك ؟وحينما تنبهت عاليه لما حدث ردت لاشيئ .وحينما إبتعدت المضيفه نظرت عاليه إلى محمود وخفضت عينيها لأسفل .وصمتت .نظر محمود لعاليه متفحصاً وجهها وقد أدرك ما حدث .ونظر إلى الأمام مفكراً أن هذه هى المرة الأولى التى يلمس فيها يد عاليه ورغم أنه لم تكن نيته أن تكون لمسه رومانسيه إنما فقط ليجعلها تنتبه معه .إنما أدرك فداحة ما فعل خاصة بالنسبه لفتاه مثل عاليه تحافظ على أخلاقياتها وسلوكها مع أى شخص تتعامل معه .ولم يرد محمود أن يوضح لعاليه مقصده لأنه أحس بالخطأ وعلم أنه لا يجب أن يتصرف هكذا مهما كانت نيته أو غرضه .ولكنه تفكر قليلاً أليس من الأفضل لو كان قد كتب كتابه على عاليه قبل السفر .أليس موقفه سيكون أفضل ؟ألن سيكون وقتها من حقه أن يمسك يدها؟ ولكن ماذا عساه أن يفعل بعد رفضها .فهى لا تريد أن تظلمه .ولكنه فكر بجديه وإتخذ قراراً قرر ألا يرجع فيه .ونظر لعاليه وقال لها بصوت رخيم :قبل ذهابنا المستشفى سنذهب للسفارة المصريه أولاً لعقد القرآن سواء قبلت أم لم تقبلى .نظرت عاليه لمحمود لحظات ولكنها وجدت نفسها تبتسم وتهز رأسها بالقبول .كما لو أنها كانت تنتظر هذا الخبر منذ زمن .وما أن هبطت الطائرة حتى بدأ محمود وعاليه إستعدادهما للذهاب للسفارة وحينما رآهما الشخص الموكل بتزويج المصريين تعجب منهما فلم يمض سوى سويعات منذ أن تركا مصر ألم يكن بإمكانهما أن يعقدا قرآنهما بمصر قبل مجيئهما .هذا بالإضافه أنه حرام حرمانيه مطلقه أن تسافر هى بمفردها مع شخص غريب حتى لو كان خطيبها طالما أنه ليس معها محرم .نظر إليه محمود وقد علا وجهه الخجل وإبتسم قائلاً أنهما قد أدركا خطأهما وقد حضرا إلى السفاره لتعديل هذا الخطأ وتم عقد القرآن وتوجها بعد ذلك للمستشفى بعد إتصال عاليه بوالدتها لإخبارها والتى فقدت وعيها بمجرد علمها بالخبر السعيد .وجهزت حجرة طبيه مجهزة بأحدث الأجهزة لمتابعة حالة عاليه .وإستقر الأطباء على أن تجرى العمليه خلال يومين .وفي اليوم المقرر إحتضنت عاليه مصحف صغير كانت قد أعطته أمها إياه قبل أن تركب الطائره وظلت تقرئ من أيات الذكر الحكيم ما إستطاعت .وفي نفس الحين توضأ محمود وأمسك بمصحفه محاولاً أن يقريء من أيات الرحمن قدر ما يوفقه الرحمن.و توجهت عاليه لغرفة العمليات والتى ستشهد عملية جراحيه معقده لمده مايقرب من خمس ساعات .خمس ساعات قضاها محمود ما بين بكاء وخوف وألم لألم محبوبته .وفي النهايه خرجت إحدى الممرضات وإتجهت نحو محمود والذى لم يعط لها الفرصه لتتجه إليه بل جرى عليها وسألها فردت عليه قائله كونجراتوليشن أى مبروك ولقد نقلت المريضه لغرفة العنايه .ولكن محمود لم ينتظر ليسمع باقي الكلمات فإذا به يفقد الوعى ويسقط مغشياً عليه .لذا كان لزاماً عليهم أن يجهزوا له حجرة بجانب زوجته .وما أن أفاق محمود حتى توجه لعاليه وابتسم لها قائلا تسمحى لى أن أمسك يديك .إبتسمت عاليه وقالت تفضل زوجى الغالى وبعد مرور بعض الوقت عاد محمود وعاليه وإستقبلتهما أم عاليه بالزغاريد مثلما ودعتهما .ومرت شهور وعاليه تتابع عند أطباء في مصر إلى أن تستقر حالتها .ويرزق محمود وعاليه بعد حين بمولودة تشبه البدر في تمامه تماماً مثل أمها أسماها (هبة الله(
اللهم إشف كل غالى يارب العالمين