6/22/2009

عيون رجل


عيون رجل

إلتفت الأسره والأقارب حول مروان في حالة ذهول تام دامعين العين غير مصدقين لما حدث .فهل من الممكن أن يفقد مروان بصره في ذلك الحادث اللعين ولم يعد له القدره على الرؤيه بعد .لم يعترضوا على حكمة الرحمن ولكنهم كانوا آسفين على ما حدث لمروان ينظرون لبعضهم البعض كما لو أنهم يريدون التأكد من أن ما حدث حقيقي لا زيف فيه .
إنتبهوا على آآآه أطلقها مروان وقد رقد غير مدرك لكل ما يدور حوله .فتح عيونه قليلاً ليرى من حوله ولكنه رأى ظلام حالك مع صداع شديد قد غلف رأسه فأغلق عيونه مرة أخرى .
وبينما يحاول مرة أخرى كى يفتح عيونه بعد سماعه لبكاء أمه لم يستطع أن يري شيئاً وتحسس بيده عيونه لعله يجد حاجز ما لعدم الرؤيه ولكنه لم يجد .حاول أن يسترق السمع ونادى بصوت هزيل ...أمى ..أمى ..سمع أمه تبكى بل تنتحب ولكنها لم ترد عليه وهنا أدرك مروان ماحدث لقد إستكف ولم يعد مبصر بعد الآن جراء الحادثه التى حدثت له .
نظر من حوله ليجدونه يبكى ودموعه تبلل وجنتيه .وبكفيه يغطى وجهه فهو لا يريد أن يراه أحد هكذا ولكنه أحس بذراعى أمه تحتويانه وتأخذه في صدرها مربته عليه في حنان ولكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من البكاء على فلذة كبدها والذى كان ينير عينيها كلما رأته يتحرك هنا وهناك .
فمروان وحيدها لا يكف أبداً عن مشاكستها هى ووالده وهو ملجأ وملاذ لكل أصحابه وأحبابه .
إنسحب الواقفون بهدوء تاركين مروان وأمه لآلامهما راجين من الله أن يأخذ بأيدي مروان .
ولكن هيهات فلقد أكد الطبيب أن مروان سيظل أعمى طول حياته وليس هناك أدنى أمل في أن يبصر مرة أخرى.وطلب من والد مروان أن يساعده على أن يتكيف مع وضعه الجديد هذا لأن حياته ستصبح هكذا دوماً .
خرج مروان من المستشفى مستنداً على أبيه فهو لم يتعود بعد على كيفية السير وحيداً دون أن يري .فلقد كان يخشي أن يتخبط في أحد أو في شيئاً ما .
وإلى أن وصل لبيته كان لسانه يلهج بذكر الله وحمده على ما حدث .
وما أن إستقر في حجرته حتى نادى أمه وأبيه اللذان أقبلا ودموعهما لم تجف فذكر لهما مدى إيمانهم برب العباد وكيف أن الله سبحانه وتعالى يختار الخير دوماً لعباده الطيبين .
سمع أبويه حديثه وهدئت نفوسهما ليس فقط لما سمعاه ولكن لأن إبنهما مؤمن بذلك وقانع بما كتبه الرحمن .
توالت الأيام ومروان يفكر ملياً فيما سيحدث له وكيف ستكون حياته وكيف يؤقلم نفسه على حياته الجديده هذه؟
لقد كان فيما مضي محاسب أى أن كل تعاملاته بالأرقام فماذا يستطيع أن يفعل الآن ؟
كان مروان قد إدخر جزء من المال واضعاً في حسبانه أنه سيتزوج يوماً ما وهذا المبلغ سيكون كفيل كى يتزوج .ولكن يشاء الرحمن أن تحدث الحادثه فيتراجع مروان قليلاً عن تفكيره في الزواج ويفكر في أن يستثمر ماله في مشروع ينفعه طيلة حياته .
وهنا تذكر صديق له كان قد عرض عليه أن يشاركه في مشروعه ولكن مروان كان قد إعتذر بحجة أنه إن آجلاً أو عاجلاً سيتزوج إن شاء الله .
إتصل بصديقه والذى أتى مسرعاً فور علمه بما مر به مروان وسأله مروان إن كان ما زال عرضه قائماً بشأن مشاركته .
رحب صديقه به بشده وذكر له أنه كان يتمنى منذ زمن لو أن شاركه .وإرتاح مروان قليلاً لما حدث وكان قد وضع جزء من المبلغ جانباً كى يحج كلاً من أبيه وأمه .
وبالفعل توجهت الأسره إلى الأراضى المقدسه راجين من الله أن يمن عليهم بالصبر والسلوان وأن يهدىء من نفوسهم .
عاد مروان من الحج وهو هادىء النفس مرتاح البال . وكان يقضي يومه في سماع الأخبار وسماع أيات الذكر الحكيم ومتابعة صديقه وعملهما المشترك وهو في البيت لا يتحرك .
وفي يوم إتصل به صديقه ليخبره بأنه سيمر عليه ليأخذه للمكتب كى يشاوره في بعض الأمور .
إبتهج مروان لأن له فتره لم يخرج من البيت وحضر الصديق وإصطحب مروان إلى المكتب وتناقشا في كثير من الأمور .وأبدى صديقه سعادته في كون مروان يناقشه وعرض عليه لما لا يأتى للمكتب كل يوم ويدير العمل بنفسه .
عاد مروان لبيته وفي ذهنه هذا العرض الذى عرضه عليه صديقه وقد قرر في نفسه أن موافق ولم لا وهو قادر بإذن الله على تيسير الأمور.
وعاد مروان لطبيعته مرة أخرى خاصة بعد نزوله للعمل وكانت فرحة أمه لا توصف فهى لم تكن تتمنى سوى أن ترى وحيدها فرِح مقبل عليها كما كان يقبل دائماً بوجه مشرق والبسمه لا تفارق شفتيه .
إذدهر عمل المكتب سريعاً وذلك بسبب كفاءة مروان وجديته وإلتزامه في تعاملاته بجانب حسمه للأمور في أسرع وقت .
مما شجع صديقه لأن يفتتح مقر آخر في محافظه أخرى يشرف عليه هو على أن يترك المكتب بالقاهره لصديقه مروان وهو على ثقه من أنه قادر بجدارة على أن يديره .
وتمر الأيام سريعاً وبينما كان مروان في مكتبه إذا بوالده يتصل ليخبره أن أمه مريضه وأنه إتصل بالطبيب .
وصل مروان ليجد أباه في إنتظاره ليخبره أن أمه قد تحسنت وهم مروان كى يدخل ليراها ولكن أبيه منعه بلطف قائلاً أن الطبيبه بالداخل .
إنتظرا مروان ووالده إلى أن إنفتح باب الحجرة وهلت منه د.سمر ولكنها وقفت مكانها ولم تتحرك حينما رأت العصا الطويله الخاصه بالمكفوفين في يد مروان هذا الشاب الذى يشبه البدر .
تنحنح أبو مروان وقال لها :خير يا دكتورة طمنينا
ردت د.سمر :خير إن شاء الله هى محتاجه ترتاح شويه لأنها أكيد عملت مجهود .وعيناها على مروان .
شكرها أبو مروان وإصطحبها لباب البيت مودعاً إياها .
هرول مروان كى يري أمه ويطمئن عليها .
وإنضم إليهم أبيه والذى نظر لأم مروان نظرة فهمتها هى وأكمل كلامه قائلاً :والله د. سمر دى بنت حلال مصفي أنا لما إتصلت بيها جت على طول .
إنتبه مروان لحديث والده وقال :هى مش تبع المستشفى .
رد الوالد :لا لا دى بنت واحد صاحبي .
رد مروان :تمام ربنا يكرمها .
وإنتهى الحوار وإستئذن مروان أمه وأبيه .
نظر أبو مروان لأمه قائلاً :ها إيه رأيك
الأم :إيه رأى في إيه المهم رأى مروان
وخفضت عينيها ورأيها طبعاً
فهم الأب ما قالته وقال :لعلمك بقي صاحبي هو اللى شجعنى لانه قالى انه حكى لبنتى عن مروان وهى اهتميت تسمع منه .حتى انها لما شافته اهتميت بيه ومكنتش بتبصلى وانا بسالها عنك
ردت أم مروان :ربنا يقدم اللى فيه الخير
عادت سمر لمنزلها وقد بدا واضحاً على وجهها أنه تفكر في أمر هام
نظر إليها والدها وحاول أن يفهم منها ما حدث ولكنها ردت أنه ليس أمر ذو أهميه .
وبعد مرور يومين حينما عاد مروان من عمله سمع رنين الهاتف فرد فإذا د.سمر تحادثه محاوله أن توضح له أنها تسأل عن والدته .وفي قرارة نفسها فهى تود لو أن تعرفه أكثر .
رد مروان عليها بأدبه المعهود وطال الحوار وتشعب ليتحاورا في العديد من الأمور والتى تخصه وتخصها .
وبعد أن إنتهت المكالمه جاءت أم مروان مبتسمه تقول :ها نقول مبروك .
ضحك مروان وقال :مبروك إيه بس .
ردت أم مروان :أيوة نخطبهالك .
إبتسم مروان وقال لها :كده على طول مش لازم أشوفها وتشوفنى و....
وسكت مروان حينما أدرك عدم إستطاعته نهائياً أن يراها .
وإحتضنته أمه محاوله أن تخفي ما ألم بها من ضيق لحديث إبنها الحبيب :لعلمك بقي أنت وهى زى القمر .
كان مروان يدرك منذ زمن ومنذ أن كان مبصراً أن أهم شيء في أى إرتباط هو الراحه النفسيه والتى لا تحدث إلا إذا ما توافرت شروطها ألا وهى الرؤيه والسمع والحوار.
فهو قد سمعها وحاورها ولكنه لم يراها ولكنه تذكر بأنه ليس أمامه سوى الشرطين هذين .
أحس مروان بالضيق لبضعة أيام ولكن صديقه أصرأن يعرف ما حدث بالزبط ؟
فحكى له مروان فسأله صديقه أتحبها ؟
أجابه مروان : لا .
سأله الصديق :هل ترتاح إليها ؟
أجابه مروان :نعم ........ولكن
أجابه صديقه :أعرف أنك تود رؤيتها ولكن يعد هذا أمر صعب .لكن قل لى لما لا تسأل عن إمكانية أن ترى مرة ثانيه ؟ فالعلم تقدم ومن الممكن أن يكون صار شيء جديد خاصة في مجال العيون .
وبالفعل بدأ مروان في السؤال والإستفسار وكان صديقه يعاونه بالدخول على المواقع العلميه لمعرفة أحدث أنواع العلاج .
وهنا ظهر الأمل فلقد كانت هنا عملية خاصة بالعيون يجريها طبيب إنجليزى وسيزور القاهره في غضون أسابيع .
لم ينم مروان ليلته هذه ساجداً لله قارئاً لكل أيات القرآن التى يحفظها .راجياً من المولى أن يشفيه ويحفظه .
وظل منتظراً يعد الأيام والليالى على أمل أن يصل طبيبه المنتظر .وفي آخر إتصال أجراه أخبره الموظف أن الطبيب قد وصل بالفعل ويبدأ بإجراء أول عمليه غداً .
طار مروان فهاهو الأمل يكاد يقترب وبالفعل كان هو قد حجز مسبقاً لميعاد العمليه وباق من الزمن أسبوع .
وفي ذلك الحين كانت د.سمر وأبيها على علم بما يحدث من خلال أبو مروان وإعتقدت د.سمر أنه من الممكن أن تتم المعجزة ويشفى مروان وحينها سيتقدم لها ويخطبها .
و.........إنتظرت .
ومر الأسبوع بطيئاً عدَ فيها مروان ثوانيه ودقائقه وساعاته محاولاً بقدر الإمكان أن يذكر نفسه أن كل شيء قدر ومكتوب وأنه لو قدر إلى أن أبصر مرة أخرى فذلك بفضل الله وإذا قدر إلى أن أظل كفيف فهذا قدرى وأنا راضٍ به الحمد لله .
وأتت اللحظه الحاسمه اللحظه التى ينتظرها الجميع مروان وأمه وأبيه و.......................سمر .وإستعد مروان لدخول حجرة العمليات تاركاً وراءه أمه وأبيه تكاد قلوبهم أن تنخلع ولكنه إبتسم لهما قائلاً :إدعوا لى .
مرت ساعات العمليه والكل في قلق وترقب فالكل ينظر ناحية الباب المغلق لحجرة العمليات لعل أحد يخرج منه ويطمئنهم ولكن لا شيء .
وبعد طول إنتظار خرجت إحدى الممرضات قائله أن العمليه قد نجحت كبدايه وسننتظر النتيجه بعد أن نطمئن من مروان لنجاحها .
حمد أبو وأم مروان الله سبحانه وتعالى وسجدا في مكانهما للمولى عز وجل .
وخرج مروان من حجرة العمليات ولسان والديه رطب بذكر الله في حجرته وبعد أن افاق نادى على أمه وأبيه مرة أخرى مثلما ناداهما حينما فقد بصره وقال لهما :كل شيء من عند الله خير الحمد لله رب العالمين سواء نجحت العمليه أم لم تنجح فهو خير الحمد لله .
وبعد يومين قرر الطبيب المعالج رفع الشاش من على عيون مروان .
كانت أم مروان تقف ماسكه بذراع زوجها ناظرة لمروان وقلبها يكاد يخرج من بين ضلوعها ولقد كان أبو مروان أكثر قلقاً منها .
أما مروان كان يتمتم ببعض أيات الذكر الحكيم بينما كانت أيدى الطبيب تحاول قص الشاش الملتف حول رأسه .
وفي لحظات كان الطبيب قد وضع قطره لعيون مروان تساعده أن تتضح الرؤيه إذا كان هناك شفاء .
وبالفعل فتح مروان عيونه وقليلاً قليلاً رأى أشباح من معه في الحجرة وأدرك أنه يري
فصرخ بأعلى صوت أنا بشوف يا أمى .
منع الطبيب أمه من أن تحتضن رأسه وذلك خوفاً من أن يؤثر ذلك على العمليه .
ولكنها لم تتمالك نفسها فإنهالت هى وأبيه يقبلان يديه .
وتدخل الطبيب قائلاً بأن البكاء غلط على عينيه الآن ورجاهما أن يكفا وما أن سمعا ذلك حتى كف عن البكاء إمتثالاً لكلام الطبيب .
وفي خلال يومين كان مروان قد إستعاد القدرة الكامله على الرؤيه وكانت فرحته عظيمه لإستطاعته أن يري أمه وأبيه مرة أخرى
وزاره صديق أبيه وإبنته د.سمر وطالت الزيارة وإبتسمت أمه له ولكنه نظر إليها محذراً فلقد خشي أن تنطق بقول يشير إلى نيته في الإرتباط من د.سمر .
وبعد أن رحلت د.سمر وأبيها .نظرت أم مروان إليه وقالت :ها إيه رأيك حلوة صح؟
رد مروان وقال :يا أمى الشكل والحلاوة مش كل شيء .
ردت الأم وقد غاظها كلام مروان :يعنى البنت زى الفل دكتورة وحلوة وكلامها حلو ايه بقي تانى .متتبترش يامروان .
قال لها مروان :طب ايه رايك في حسين فهمى .
ردت الام: عسل ماله.
رد مروان:تسيبي بابا وتتزوجيه
ردت الام :فشر ده ألف راجل زيه لايمكن اسيب ابوك .هو في زى ابوك .
رد مروان قائلاً:شفتى بقي أهو ده اللى انا اقصده الراحه النفسيه بغض النظر عن الشكل أهم شيء الراحه النفسيه .
مرت الأيام ود.سمر تنتظر أن يأتيها إتصال من مروان ولكن ........لم يحدث .
فتجرأت أن تتصل هى وتسأل عن صحته وبالفعل كان من يرد عليها مروان
مروان :السلام عليكم مين معايا
د.سمر:وعليكم السلام انا سمر
مروان :أهلا د.سمر
سمر :أهلا مروان أنت بتنادينى بلقبي
مروان :ده أكيد إنتى دكتورة ولا زم نقدرك
إبتسمت سمر قائله :بس عادى منا بقولك مروان
رد مروان :حضرتك تؤمرى بأى خدمه
إحمرت وجنتى د.سمر فلقد أحست أن مروان ينهى الحوار بطريقه ذوقيه
ردت سمر:لا ميرسي أنا كنت بس بطمن على صحتك
رد مروان :شكرا ليكى سلام عليكم
أغلقت سمر التليفون ولم تتوقع هذا الرد الجاف من مروان فهل هذا جزاؤها بعد إنتظارها له طوال هذه الفتره وبكيت .
سألت أم مروان عن من كان المتصل فأخبرها مروان إنها د.سمر
فقالت :ياخبر وهى دى اللى كنت بترد عليها كده
رد مروان:أيوة
ردت أمه:طب ليه كده يا مروان ده انت كسفتها
رد مروان :يا امى لان لازم كل شيء يكون له حدود .لازم تعرف انى بتعامل معها كشخص عادى علشان موهمهاش .
ردت امه :وهى عيبها ايه بس دى زى القمر وطيبه
رد مروان:تانى يا امى .أحنا اصلا متكلمناش غير مرة واحده وانا كفيف ولو كان كده كنت كلمتها اكتر من مرة بعد كده من قبل حتى ما اعمل العمليه وبعدين شفتها في المستشفى ودى تانى مرة تكلمنى فمش لازم انى اعشمها ومفيش شيء هيحصل .
ردت الام :صحيح يبنى كل شيء قسمه ونصيب ولو كانت قسمتك ونصيبك كان حصل القبول حتى وانت كفيف.
عاد مروان لعمله من جديد وقد ساعده كونه محاسباً في مراجعة العديد من حسابات المكتب وهذا جعله يدير شؤنه بشكل أفضل .
وكانت د.سمر قد تعلمت درساً كبيراً في أنها لا يحق لها أن تنتظر أحداً طالما أنه لم يعط لها الإشارة كى تنتظره وتفكرت قليلاً حتى وإن إنتظرته فما يدريها بعد أن يراها أن يحدث قبول أو توافق .
 
تمت بحمد الله
 

No comments: