6/06/2009

عقل أم قلب حبيبه

بسم الله الرحمن الرحيم

عقل أم قلب حبيبه

إستيقظت حبيبه كعادتها باكراً بعد أن نالت قسطاً لا بأس به من النوم الهادئ .وما أن رأت أبيها حتى أقبلت نحوه كى تلقي تحية الصباح .ولقد كان والدها يتصفح جريدة الصباح شأنه كل يوم محاولاً أن يعرف المزيد عن الأحداث الجاريه. أخذت حبيبه تبحث عن أمها في أرجاء البيت ولكن لم تجدها .فقد ظنت أن أمها قد خرجت لشراء بعض متطلبات البيت .رجعت حبيبه لأبيها تستفسر منه عن سبب غياب أمها وعدم تواجدها بالمنزل.وضع أبيها الجريده جانباً ونظر إليها قائلاً : لقد سافرت والدتك اليوم وسألحق بها عصراً إن شاء الله .فلقد كنت أنتظر إستيقاظك كى أخبرك .نظرت حبيبه بقلق لوالدها محاوله أن تجد في عينيه ما يطمئنها لعلها تجد إجابه لأسألتها الحائره عن أسباب سفر أمها المفاجىء .رأف أبو حبيبه لحال إبنته وقال لها : لقد توفيت زوجة إبن خالتك فجراً وعلمنا بهذا النبأ فور حدوثه فسافرت والدتك على الفور وإنتظرت أنا على أن ألحق بها فور إستيقاظك .صُدمت حبيبه لما سمعت وأسرعت لحجرتها غير مصدقه لما حدث وأخذت تبكى كما لو أنها طفله صغيره فلقد صعب عليها حال هذا الطفل والذى لم يتعد سبع سنوات وقد خلفته أمه وراءها وصعب عليها إبن خالتها والذى كان يحب زوجته حباً كثيراً .ظلت حبيبه على هذا الحال تفكر وتفكرإلى أن هداها تفكيرها لفكرة قررت أن تنفذها فور أن يوافق والدها وفي نفس اللحظه طرق والدها باب الحجرة فأجابته بصوت يملؤه الحزن: نعم يا والدى . فقال لها : تعالى يا حبيبه إنى أريدك في أمر هام .جلست حبيبه أمام أبيها صامته وقد غلف الحزن عينيها فظهر واضحاً كم الحزن والألم الذى تشعر به إزاء ما حدث .نظر والد حبيبه إليها وقد رق قلبه لإبنته الحبيبه وهو يعلم جيداً مقدار رقة إبنته وحساسيتها وتأثرها لأى موقف يستدعى الحزن .وبعد أن تأملها قليلاً قال لها : إسمعى يا حبيبه جيداً إن الموت علينا حق ووجب علينا أن نؤمن به. وجميعنا سنموت إن شاء الله ولكننا لا نعلم متى وأين ؟ فالموت لا مفر منه .وقد قدَر الله سبحانه وتعالى أن تموت زوجة إبن خالتك في هذا الوقت .فهى وديعه وقد أراد الله أن يسترد وديعته وأنت لا تعلمين فربما يكون آخر مثواها الجنه وهذا ما نأمله من الرحمن .وأنت لا تعلمين ما الخير الذى ينتظرها . وما الشر الذى إبتعدت عنه .فسبحان علام الغيوب .وبالنسبة لولدها الصغير فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يحفظه ويصونه ومن بعده أبيه سيرعاه وسيهتم به إن شاء الله .ألم تقرئ قصة سيدنا الخضر وسيدنا موسي. فلقد كان هناك أسباب وجيهه وقويه لكل ما فعله سيدنا الخضر ولم يدرك سيدنا موسي وقتها تلك الأسباب إلا بعد أن فسرها له.فلقد قتل سيدنا الخضر الطفل الصغير وذلك لأنه كان سيشقي أبيه وأمه .وأعاد بناء الجدار دون مقابل لصبيين يتيمين أراد الله أن يحفظ مالهما إلى أن يكبرا ويكونا قادرين على حفظ المال.وقد أفسد أرضية السفينه وذلك لأن هناك حاكم ظالم يأخذ السفن من أصحابها عنوة وبذلك لن تكن السفينه صالحه في نظره كى يأخذها .وكما رأيت فالله سبحانه وتعالى له نظرة في كل ما يفعل وله حكمة في كل إبتلاء يبتلى به عبده .فمن صبر وإحتسب له الأجر العظيم وسيجازيه الرحمن خيراً كثيراً في دنياه وآخرته إما برفع البلاء عنه في الدنيا ولكن بعد مرور فتره من الوقت على هذا البلاء وإما بأن يظل الإنسان مبتلى إلى أن يرزقه المولى بدخوله جنته ينعم فيها بكل ما فيها من خيرات ونعيم. لذا فقد يكون هذا إختباروإبتلاء لإبن خالتك فهاهو قد فقد زوجته والتى كان يحبها وهاهو ما زال شاب مقبل على الحياه ومعه طفله الصغير .نعم إنه لإبتلاء له وقد يكون إبتلاء شديد فيقاس من خلاله مدى صبره وإحتسابه لما حدث .ومن هنا يأتى التساؤل الأهم هل سيصبر ويحتسب عند الله أم أنه سيعترض ويكون ناقم لما حدث ؟.إعلمى جيداً يا حبيبه أن أى إبتلاء من الله لعباده له فيه حكمة لا يعلمها إلا الله وحده وقد يستمر الإبتلاء إلى نهاية عمر الإنسان إلى أن يقابل ربه متمنيين من الله أن يكون جزاؤه الجنه لصبره وقد يأخذ الإبتلاء فتره في عمر المبتلى نجد بعدها أن الله سبحانه وتعالى يرفع هذا البلاء عن عبده هذا .لذلك نجد أن اللذين صبروا وإحتسبوا عند الله دون تذمر أو ضيق ودون شكوى إيماناً منهم أن هذا البلاء هو خيرُُُ لهم بإذن الله فكان أن جزاهم الله خيراً برفع البلاء عنهم في الدنيا وما أدراك ما ينتظرهم في الآخره إن شاء الله جزاءً لهم بما صبروا .ونأخذ في ذلك سيدنا أيوب مثالاً لنا والذى صبر كثيراً لكل الإبتلاءات التى قد أبتلى بها ولم يعترض ولم يشكو بل إنه كان يدعو ربه دائماً لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين .فلقد صبر وإحتسب عند ربه فوجد جزائه في دنياه خير الجزاء بعد صبر طويل . نظرت حبيبه لأبيها وقد إستوعبت تماماً كل ما قيل وشردت ببصرها لحظات ثم قالت :أدرك جيداً كل ما تقوله يا أبي وأتفهمه ولكن يصعب على هذا الطفل الصغير فهل لى عندك طلب ؟قال لها تفضلى: أود لو بعد مرور وقت مناسب أن تعرض على إبن خالتى هذا لو أن أتزوجه .بُهت والد حبيبه لما سمعه فلم يكن يدرك أن حساسية إبنته وتعاطفها مع من حولها سيصل إلى هذا الحد .علم أن إبنته غير واعيه لما تقوله وأن ما تقوله نتيجه لتعاطفها مع الموقف وذلك لحداثة سنها فحبيبه لم تبلغ السادسة عشره بعد .صمت دقيقه مفكراً فهذا الأمر مرفوض بالطبع ولكنه كان يفكر في كيفية مناقشة حبيبه دون أن يجرحها بكلماته.أخد نفس عميقاً وقال :أنظرى يا حبيبه من الجميل أن نتعاطف مع من حولنا ولكن ليس بهذه الصورة .فأنت تودين أن تراعى هذا الطفل الصغير ولك الحق في ذلك ولكن من الممكن أن تراعيه بطرق كثيره فليس شرطاً أن تتزوجى إبن خالتك .فمن الممكن أن تسافري من وقت لآخر مع والدتك كى تطمئنى عليه .ومن الممكن أن ترسلى له هدايا .ومن الممكن أن يزورنا .لكن بالنسبه لمسألة الزواج صعب جداً حدوثها وذلك لعدة أسباب .أولاً :عمرك صغير جداً كى تفكرى حتى في أن تتزوجى ولو حتى من شخص عادى.ثانياً:حتى وإن كان عمرك مناسب للزواج لما تتزوجى شخص وقد سبق له الزواج وتتحملى مسؤلية طفل في المستقبل سيكون شاب وسيتواجد معك في نفس السكن .حتى أنه ليس بطفله صغيره .ثالثاً:هل تظنين أن إبن خالتك هذا سيتقبل فكرة الزواج حالياً .ولم يمض على وفاة زوجته والتى يحبها وقت كافٍ.رابعاً:هل الزواج بهذه السهوله هل من الممكن أن أى إثنان يرتبطان ويصبحان زوج وزوجه بدون التفكير في تكافؤهما سوياً؟ .ألم تفكرى في إختلاف الشخصيات وعدم توافق الفكر .خامساً :أليس من حقك أن تتزوجى شاب لم يسبق له الزواج .وأليس من حقنا نحن أن نفرح بإبنتنا وأن نختار لها ما يناسبها وما يلائمها.إستمعت حبيبه لكل ما قاله والدها وأخذت تفكر في كل كلمة قد ذكرها أبيها الحبيب.وتركها والدها وحدها كى تستطيع أن تتخذ قرارها الصائب بعيداً عنه وإن كان قد وضح أنه قد إتخذ القرار بالفعل .ولكنه أراد أن ينبع هذا القرار من داخلها فهو قرار مصيري ود لو أنها أدركت ما كانت ستقدم عليه وتعرف كم هى كانت مخطئه حينما فكرت بمثل هذا الأسلوب وإن كان يدل على طيبه بالغه ولكن ليست كل الأمور تؤخذ هكذا.هزت حبيبه رأسها بالإيجاب كما لو أنها تتفق مع والدها في كل ما قاله .وبعد مرور فترة من الوقت سافرت حبيبه لزيارة خالتها في إحدى المناسبات وقابلت إبن خالتها والذى رحب بها .وقابلت الطفل الصغير والذى رغم صغر سنه إلا أنه كاد أن يصل لطولها .وهنا تذكرت حديث والدها من أن الفتى سيصبح شاب في يومٍ ما .وعند وصول حبيبه وأمها للبيت أخبرتها أمها أن هناك موضوع قد حدث عند خالتها ولكنها لم تشأ أن تحكى لها وفضلت أن تحكى لها عند عودتهما.تسائلت حبيبه وما هو؟ قالت أمها :إن إبن خالتك قد أعرب عن إعجابه بك وأنه يود لو أن يتقدم لك .إندهشت حبيبه فلم تتوقع ما حدث وسألت أمها بلهفه وماذا بعد ؟ أجابتها أمها أنها رفضت وقالت لأختها إن حبيبه تصغره بسبعة عشر عام بغض النظر عن كونه كان متزوج من قبل أم لا .وأقفل الموضوع فلم أشأ أن أضايق أختى بكثرة النقاش وتحججت بفارق السن.تنهدت حبيبه بإرتياح لما سمعته من أمها وتذكرت كل كلمه قد قالها أبيها الحبيب .فمنذ ذلك الحين وهى مدركه أن العاطفه لا بد وأن تتفق مع العقل .فإذا ما وافق العقل على فكرة ما فيحق للقلب حينئذ أن يعبر عما به من مشاعر وأحاسيس.ومنذ ذلك الوقت وصحباتها ينادونها الرومانسيه العاقله.ويتعجبون كيف لها أن تستشير عقلها قبل قلبها .ففي أغلب الأمور وخاصة الأمور التى ترتبط بالعاطفه فإن الكلمه الأولى والأخيرة تكون للقلب.ولكن حبيبه قد إستطاعت أن تدرك منذ صغرها ورغم حداثة سنها في ذلك الوقت .أن العقل هو الآمر الناهى في جميع مواقف حياتها خاصة بعد ذاك الموقف والذى هز كيانها ولولا حكمة أبيها وقدرته على إحتواء الموقف لما إستطاعت أن تميز الفروق الواضحه التى كان يحتويها الموقف .فهى حينما تفكر بعقلها قبل قلبها تكون مدركة تماماً لكل قول أو فعل تُقدم عليه لأنها تفكر كثيراً قبل أن تتخذ أى قرار .خاصة إذا كان قرار مصيري يتعلق بحياتها الخاصه.وفور أن يصدر العقل حُكمه فإن تصرفاتها بعد ذلك تأتى طبقاً لما يمليه عليها قلبها .وقبل كل شيء فلقد وجدت أن تفكيرها يتماشي مع دينها .فليس لأحد الحق في أن تُظهر مشاعرها نحوه بصورة واضحه وصريحه ومباشرة إلا إذا كان زوجها .وكثيراً ما رأت صحباتها وهن يتخبطن في مواقف عاطفيه و وجدت أنهن قد إتجهن للتفكير بقلوبهن دون مشاورة عقولهن .فهن يخترن أزواجهن على أسس ليست سليمه فليس هناك وفاق أو إنسجام في شخصياتهن وشخصيات أزواجهن .ليس شرطاً عندهن نقطة القبول والتى هى من أهم نقاط الإرتباط عند حبيبه .فصحباتها يعتقدن أنه طالما تواجد الزوج فهذا هو المهم وإن كان على القبول فسيتوفر فيما بعد .فالحياة الزوجيه كفيله بأن يعرفا بعضهما البعض أكثر وأن يتحابا .ولاحظت حبيبه أن بعض من زميلاتها تسعى للزواج بأى شكل وبأى طريقه بغض النظر عن التكافؤ والتوافق بين الزوجين واللذين يعدان من أهم شروط الحياه الزوجيه السليمه.وتعجبت أكثر لهولاء الفتيات اللاتى تبنى أمالاً وهميه على أن هذا أو ذاك سيتقدم إليهن دون أن يتأكدن تماماً بأنهم بالفعل سيتخذوا تلك الخطوة الحاسمه لأن يتقدموا لهن .فبالنسبة لها من الصعب أن تعلق فتاه أمالاً وأحلاماً على شخص لم يصرح تصريح مباشر بأنه يود الإرتباط بها .وإلا فستكون قد أوقعت نفسها في مأزق لن تستطيع الخروج منه.وفي ذات الوقت تتضاحك صاحباتها معلقات أن عقليتها الحالمه تلك عقلية فاشله لم يعد لها وجود في هذا الزمن .ولكن حبيبه قد أدركت منذ زمن أنها لن تُقدم على أى قرار إلا بعد أن تدرسه من جميع جوانبه وتأخذ الوقت الكافي للتفكير فيه .ووضع كل الإحتمالات اللازمه .حتى وإن تغنى قلبها ببعض الألحان العاطفيه .من المستحيل أن تأخذ قراراتها هكذا دون أن يكون عقلها قد وضع بصمته حتى وإن كان قلبها يصرخ كى تستمع إليه .
تمت بحمد لله

6 comments:

Soul.o0o.Whisper said...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ربنا يبارك لك يارب
و يبارك لحبيبة
و يبارك لابو حبيبة

فكرنى بوالدى بردوا
اللى كان له دور كبير بحياتى بعد الله
انى يكون فعلا تفكيرى بعقلى اولا
ثم بعد ذلك يكون التصرف


اعتقد ان حبيبة وعت الدرس جيدا
و اجادت تطبيقه


دمتى بود

حمدي المتولي said...

الاخت العزيزة والاستاذة الفاضلة / علياء
لقد كرم الله الانسان وفضلة
وميزة علي كثيرا من خلقة
باعطائة نعمة العقل
وياليت كل انسان
يستخدم عقلة
الاستخدام الامثل
دمتي بخير

الفراغ said...

يابخت حبيبه بوالدها
العقل مفتاح النجاح
ولكن القلب مفتاح السعاده
لكن بوجود من يساند ويعضد مثل ابو حبيبه
فاكيد هتلاقى نقطة التلاقى

علياء said...

وعليكم السلام
سول ويسبير
ويبارك فيكى يارب
دمتى بالف خير

علياء said...

جزاك الله خيرا أ.حمدى المتولى
نعمة العقل نعمة نحمد الخالق لأجلها كثيراً

علياء said...

أكيد يا أمى الحبيبه(الفراغ)
لا بد من وجود أب حكيم في حياة كل فتاه
جزاك الله خيراً